صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة "ترجمان"، كتاب المدينة - الدولة في الزمن القديم La Cité Antique، وهو كتاب متميِّز في طرحه؛ إذ يخالف فيه الفكر الغربي السائد الذي يتبنّى مقولة انبثاق الحضارة الغربية المعاصرة من حضارة الرومان والإغريق، منتقدًا تسليم العالم الغربي المعاصر بهذه الفكرة وتصرفه على هذا الأساس، مبيِّنًا بالأدلة ضرر هذا المعتقَد وفساده، وطرائق علاج الأضرار المترتبة عليه. الكتاب من تأليف المؤرخ الفرنسي نوما دوني فوستيل دو كولانج Numa Denis Fustel de Coulanges وترجمة حسين قبيسي. يقع الكتاب في 544 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
يتميز كتاب المدينة -الدولة في الزمن القديم بنقده مسلَّمةً سائدة في العالم الغربي، تربط جذريًّا ثقافة الغرب وتطوره وعلومه وفلسفته واجتماعه بشعبَين قديمَين هما الإغريق والرومان. ويبيّن استقلالَ كلٍّ من المجتمعين الإغريقي والروماني بحكم نفسه بنفسه وبقوانينه، على الرغم من أنهما من عرق واحد، وتكلُّمهما لهجتين متفرعتين من لغة واحدة، وامتلاكهما تاريخيًّا مؤسسات حكم بعينها، ومرورهما بسلسلة ثورات متشابهة. ويركّز على الفوارق الجذرية بين هذَين الشعبَين وشعوب الغرب الحالية، منتقدًا مقارنة النظام التعليمي والتربوي الغربي حياة الناس بحياة ذلكما الشعبَين القديمَين، والنظر إلى التاريخ المعاصر من خلال تاريخهما، وتفسير ثوراتهما بالثورات الحالية، لجعل الناس يظنون أنهم شبيهون بهما، ويجدون صعوبة في اعتبارهما شعبَين أجنبيَين. ويرى المؤلف أن هذا النهج أوجد أخطاء استجرّت أخطارًا، مثل بلبلة الفكرة المزروعة عن اليونان لتفكير الأجيال التي لم تتفهم جيدًا مؤسسات المدينة القديمة، بتصور خاطئ يتمثل في أن استعادة المؤسسات الإغريقية القديمة يبعثها حية في الحياة المعاصرة، مع ما يشوب ذلك من أوهام في شأن حرية القدماء عرّضت حرية المعاصرين للخطر. فقد أثبت الزمن أن إبقاء عصور الإغريق والرومان القديمة نصب أعين الجيل المعاصر شكّل إحدى الصعوبات المستعصية التي تعيق مسيرة المجتمع الحديث.
شكراُ لمشاركتك بمراجعة و تقييم الكتاب
سيتم مراجعة مراجعتك قبل نشرها للتأكد من مطابقتها لشروط و أنظمة الموقع